بُشْـرَاكَ خـادِمَ الحرَمَـيـن
يوم
الخميس السادس من شهر جمادى الآخرة لعام 1436هـ، كان يوماً مختلفاً في حياةِ
الأمةِ الإسلامية، فقد أصبحَ النَّاسُ على حدثٍ عظيم سيُسجلهُ التاريخُ بمداد من
ذهب وتتذكرُهُ الأجيالُ على مرِّ الزمان وكان انطلاقُ هذا الحدثِ نتيجةَ تلبيةِ
نداء استغاثةٍ من شعبِ اليمن الكريم حيث كانت الاستجابةً سريعةً من خادم الحرمين
الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بانطلاقِ عاصفةٍ مُدوِّيةٍ، دحرتْ المجرمينَ وأنقذت
أرواحَ الآمنين، وحمى الله بها يمَنَ الحكمةِ والإيمان، وصانَ أراضيه من احتلالٍ
فارسيٍ بغيظ، تقومُ به مجموعةٌ حوثيةٌ مجرمةٌ متغطرسة.
وإن
النَّاظـرَ في أسبـابِ انطـلاقِ هـذه العاصفةِ المباركة، والمتابعَ لمراحـلِ تنفيذها وأبرزِ أهدافِها، ومقارنتها بما جرى في أحداث السيرةِ النبوية، وخاصة
فيما يتعلق بنُصرةِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لقبيلةِ خزاعة، واستجابتِهِ السريعةِ
لاستغاثتِهم سيرى تشابُهاً كبيراً لا يملك حيالَه إلا أن يتفاءل بما سيتحققُ من
نتائجَ عظيمةٍ لهذه العاصفة المباركة في المستقبلِ القريبِ وكذا البعيد.
ولأنَّ
اللهَ عزَّ وجل أمَرَنا دائما بإحسانِ الظَّنِ به، والنَّبيَ صلى الله عليه وسلم
يُعجِبُه الفأل، وكثيراً ما بشَّرَ أصحابَه في مواضعَ متعددة من سيرتِهِ العَطِرة،
فإنَّ المجتمعِ السعودي بكافة، وكلَّ أبناءِ الأمةِ الإسلامية المخاصين ليقفون متفائلين
ومؤيدين ومباركين لقرار خادم الحرمين الحكيم الحازم.
بُشرَاكَ
يا خادمَ الحرمين…
فقد أمرتَ بعاصفةِ حزمٍ حمى اللهُ بها إخوانَنا في بلادِ اليمن، وهبَّت الأمةُ
جميعُها مؤيدةً لقرارك، شاكرةً حُسنَ صنيعِكَ، وداعيةً لك بالتوفيقِ والعونِ
والسداد، فقد كانت نصرتُكَ يا خادم الحرمين لأهلِ اليمن تنطلقُ من مبدأ واجبِ
النُّصرَةِ التي أمرنا اللهُ بها في قولِه(وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي
الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ )، فنُصرةُ المسلمين للمسلمين واجبةٌ، لأنَّهم أمةٌ
واحدةٌ، مهما تناءت ديارهم وتباعدتْ أقطارُهم.
بُشراكَ
يا خادمَ الحرمين…
فقد كانت نُصرتُك لإخوانِك في اليمن إنما هي تيمُنَاً واقتداءً بنبيِّكَ محمدٍ صلى
الله عليه وسلم، فقد دلت السنةُ الفعليةُ على نُصرَتِهِ للمستضعفين من قبيلةِ
خزاعة عندما استنصروه بعدما وثبت عليهم قبيلةُ بني بكر وقتلوهم ليلاً بماءٍ يقال
له الوتير وشاركتهم قريش في الهجوم، فانطلق عمرو بنُ سالمٍ الخُزاعِي في رجالٍ من
قومه، وقدِموا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يستنصرونَهُ، وافتتحَ عمرُو شكواهُ بأبياتٍ من الشعر مؤثرةٍ أنشدَها أمامَ النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابِه يقول فيها:
يـا رَبِّ
إنّــي نَاشِــدٌ مُحَمَّـدًا حِلْـفَ أَبِينَــا وَأَبِيــهِ الْأَتْـلَـدَا
إنّ قُرَيْشًا
أَخْلَفُـوك الْمَوْعِـدَا ونقضـوا
ميثاقــك المؤكــدا
هُـمْ بَيّتُونـَا
بِالْوَتِيـــرِ هُجّــدًا وَقَتَـلُونَــا رُكّـعًــا وَسُـجَّـــدَا
فادْعُ
عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا
فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نُصِرتَ يا عمرُو بنَ سالم).
بُشراكَ
يا خادمَ الحرمين…
فإنك عندما كتَمَتَ خبرَ موعدِ انطلاقِ عاصفةِ الحزمِ عن العالمِ أجمع فكانت
الضربةُ موجعةً للحوثيين المعتدين، وشفاءً لصدور للمسلمين المظلومين، كنت متبعا لسنة
حميدة حيث كتم رسولِ صلى الله عليه وسلم مخرجَهُ لمكةَ لنصرة خزاعة وسألَ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُعميَ على قريشٍ
خبَرَهُ حتى يبغتَهُم في بلادِهم فبغتهم واقتصَّ منهم، وانتصرَ لخزاعة.
بُشرَاكَ
يا خادمَ الحرمين…
بالثواب الجزيل على عمِلِكَ الدؤوب وجُهدِك المشكور في جمعِك لهذا التحالفِ الكبيرِ في فترةٍ وجيزةٍ، وكأنَّكَ حفِظَكَ
اللهُ تقتفي أثرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم عندما جمعَ جيشاً ضخماً
مقدارُهُ عشرةُ آلافِ مقاتل، جميعُهم قد هَبَّ مع رسولِ صلى الله عليه وسلم لنصرةِ
المظلومين، والاقتصاص من الظالمين.
بُشراكَ
يا خادمَ الحرمين…
فسيعقبُ هذه العاصفةَ المباركة - بإذن الله - نتائجُ عظيمةٌ تصُبُّ في صالحِ
الأمةِ، منها العاجلُ ومنها ما سيكون آجلا؛ لأنَّكَ استجَبتَ لأمرِ مولاكَ عزَّ
وجل، واهتديتَ بهدْي نبيِّك صلى الله عليه وسلم بقيامِك بواجِبِ النُّصرَة،
وبشارتِي هذه مردُّهَا ما أكرَم الله به نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم من نتائجَ
عظيمةٍ، بعد قيامِهِ بواجبِ النُّصرةِ لقبيلةِ خزاعة، ومن تلك النتائج: اجتماعُ
جيشٍ عظيمٍ للمسلمين، وفتحُ مكة والقضاءُ على الشركِ، وهدمُ الأصنام فيها،
والقِصاصُ من المعتدين، ودخولُ الناسِ في دين الله أفواجاً، وستكونُ عاصفةَ الحزمِ
بإذن الله فتحاً مبينا للمسلمين -في العاجلِ والآجِلِ- وقد بانت مقدِّماتُها
بكسرِ شوكةِ الصفويين الفرس، وإنقاذِ أهل اليمن، وسيعقبها - بإذن الله تعالى - اجتماعُ
كلمةِ المسلمين بعد اختلاف، واتِّحادُ صُفُوفِهم بعد تفرُقٍ.
بُشرَاك
يا خادمَ الحرمين…
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد جهَّزَ جيشاً كبيراً حاصرَ بِهِ يهودَ بني
قينقاع، وأجلاهم من المدينةِ إلى غيرِ رجعة، لأجلِ امرأةٍ مسلمةٍ انتصرَ لها،
واقتَّصَ ممَّن ظلمَها، وأنت يا خادمَ
الحرمين انتصرتَ لأمةٍ كاملة، فأنقذ اللهُ بك ملايينَ المسلمينَ الموحِدِين،
وظهَرَتْ غضبتُكُم عندما انتصرتُم لبيوتِ الله التي هُدِّمَتْ وحلقاتِ القرآنِ التي دُمِّرَتْ.
بُشرَاكَ
يا خادم الحرمين… فإن
قرارَك الشجاع بِنُصرةِ اليمن سيُسطِّرُه التاريخُ بجوار كلماتِ الخليفةِ العادلِ
عمرَ بنِ عبد العزيز، الذي لمَّا بلَغَه أنَّ رجلاً من المسلمين أسرَهُ الرومُ،
وأرغمَهُ زعِيمُهُم على تركِ الإسلام، فغضِبَ الخليفةَ العادلُ غضباً
شديداً، وكتب إلى الإمبراطورالروماني قائلا(من أميرِ المؤمنينَ عمـرَ بنِ عبدِالعزيـزِ إلى ملِكِ الروم: لقـد بلغني ما فعلتَ بأسِيرِك فلان، وإنِّي أُقسِمُ باللهِ العظيم إن
لم تُرْسِلْهُ من فورِكَ لأبعثنَّ إليكَ من الجُندِ ما يكونُ أولُهم عندَك،
وآخِرُهُم عِندِي)، فارتعدت فرائصه، وبعث بالرجل إلى بلاد المسلمين محمَّلاً بالهدايا.
بُشراك
يا خادمَ الحرمين…
فقد أجبتَ نداءَ شعبٍ كامِلٍ مكلُومٍ مظلُوم وستُرفَعُ لك الأكُفُّ، وتلهجُ لك الألسنةُ
بالدُّعَاءِ الخالِصِ، وسيذكُرُكَ الناسُ كلَّمَا جاء ذِكرُ النداءِ الذي هبَّ
لأجْلِهِ الخليفةُ المعتصم حينَ علِم أنَّ
امرأةً مسلمةً عربيةً جليلةً اُعتدِي عليها بمدينةِ عمُّورية في أقصى الأرض،
فصرختْ قائلةً (وامعتصماه
)، فجهَّز لها
جيشًا عظيما لدفعِ مظلمتِها، وتأديبِ من اعتدى عليها، وانطلق ولم يلتفت لتحذيرِ
المخذِّلِين، وغيرَ آبهٍ بأقوالِ المنجمين؛ ليُحاصِرَ عمُّوريةَ حتى استسلمتْ
فدخلَها واتَّجَهَ يبحثُ عن المرأة حتى أخرجها من سجنِهاَ قائلا لها:(هل أجابَكِ المعتصم، قالت:نعم )، فكان ذلك دافعاً لأبي تمام بأن
يستهِلَّ قصيدَتَهُ في مدحِ الخليفةِ المعتصم بذكره للسيف، خلافا لما هو مألوفٌ من
الشعراء بالوقوفِ على الأطلال، فكانت تلك القصيدةُ المليئةُ بالمعانِي والصُّوَرِ الفريدة والتي ردَّدَتها الأجيالُ على مرِّ
العصورِ جيلاً بعدَ جيل:
السَّيْفُ
أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في
حدِّهِ الحدُّ بيـنَ الجِدِّ واللَّعـبِ
فَتْحُ
الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ نَظْمٌ
مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فـتـحٌ
تـفتَّـحُ أبـوابُ السَّماءِ لهُ وتبرزُ
الأرضُ في أثوابِها القُشُبِ
يَا
يَوْمَ وَقْعَةِ عَمُّوريَّةَ انْصَرَفَتْ منكَ
المُنى حُفَّلاً معسولةَ الحلبِ
ليأتي
الشعراءُ بعد قيام عاصفةِ الحزم يجارون قصيدةَ أبي تمام، فخراً واعتزازاً بما
فعلتَهُ يا خادم الحرمين من انتصارِك لإخوانِك:
الحزمُ أصـدقُ
إنباءً من الخُطَـبِ في قصفِهِ الحدُّ بين الصدقِ والكذِبِ
يا يومَ عاصفة
الحزْمِ التي حملتْ ريحَ المُنى من رُبى صنْعَا إلى حَلَبِ
فتـحُ الفتوحِ تعالى
أن يُـحيطَ بـه فِعـلُ الفعـولِ ولا قـولٌ من الأدبِ
ما أروعَ السيفَ يا
سلمانُ تصقلُهُ في رأسِ مَنْ خانَ أو في هامِ منْقَلِبِ
بُشراكَ
يا خادمَ الحرمين…
فإنَّ حزمَكَ الذي سدَّدك الله له، كان حزمَ القائدِ الشُّجَاعِ الذي أنقذ الله عز
وجل به المملكةَ والخليجَ وبلادَ اليمنِ من أطماعِ الفُرسِ الصفويين وهو حزمٌ فيه
اقتداءٌ بحزمِ الخليفةِ أبي بكرٍ الصديق في أيامِ حُرُوبِ الرِّدَة عندما نُصِحَ
الخليفة بأنْ لا يواجِهَ المرتدين؛ لتفوقِهِم عدداً وعُدَّةً، فقال مقولته
الخالدة، واثقاً بربِّه متوكلاً على مولاه (واللهِ لو منعُونِي عِقالاً كانوا
يؤدُّونَهُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتُهم عليه)، ففتح الله لأبي بكر
الصديق ونصره.
بُشراكَ
يا خادمَ الحرمين…
فإنَّك قد فتحتَ البابَ للأُمةِ لِتنهَضَ من كبوتِها، وتستفِيقَ من غفوتِها، وتستردَ عِزَّتَها وكرامَتَها، كما أعدْتَ لها
ذكرى تلك الكلماتِ الخالدةِ للخليفةِ الفاروقِ عمرَ رضي الله عنه عندما قال (نحن
قومٌ أعزَّنَا اللهُ بالإسلام، ومهما ابتغينا العِزَّة بغيرِهِ أذلَّنَا الله).
بُشرَاكَ
يا خادمَ الحرمين…
فقد أنقذ اللهُ بِكَ البلادَ والعِبادَ، وأنجى الأُمَّةَ جمعاء من العقوبةِ
العظيمةِ الواردةِ في الحديثِ (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا
عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ
إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ...).
بُشراكَ
يا خادمَ الحرمين…
فقد عرَّفتَ العالمَ أجمع بقوةِ وبأسِ رجالِ قواتِنا الميامين وهم يقومون
بمسؤولياتِهمْ بكفاءةٍ قَلَّ نظيرُها، ومهارةٍ عاليةٍ أبهرتْ الشرقَ والغرب يقضُونَ
أوقاتَهُم في حراسة الثُّغُور، وعلى جبهاتِ القتال بين صلاةٍ لخالقهم، وذكرٍ
لمولاهم، وقراءةٍ لكتاب ربهم، ثابتون
كالطَّودِ العظيم، لا تعصِفُ بِهمْ ريحٌ، ولا يحطِمُهمْ موجٌ، يدافعون عن دينهم،
ويذودون عن وطنٍ عظيمٍ، هو مهبط الحي، ومنبع الرسالة، وقبلة المسلمين، تُرفع فيه رايةُ التوحيد، لا أثَر للشرك فيه، ولا آثار للوثنيَّة، وطن دستورُه القرآنَ والسنة، يبتسم أبناؤه في مواطن القتال لأنهم بعلمون أنهم يتقربون إلى الله، ولسانُ حالِهم يُردِّد:
هي
مَهْبِطُ القُرآنِ تحت لوائِـه سارتْ
بعونِ اللهِ تجتازُ المِحَـنْ
نشأتْ
على هَدْي الإله فرُوحُهَا تسمو بها
وبِروحِها يسمو البَدَنْ
بُشراكَ
يا خادم الحرمين…
فقد جعلتَ الأمةَ الإسلاميةَ تقتربُ كثيراً من مفهوم الجسدِ الواحد وتُطِّبقَ ذلك سلوكاً عملياً في واقعِ حياتِها، فقلَّ
في القُرونِ المتأخرةِ حصولُ مثل هذا التوافق والتكاتف والاتحاد، لقد أعطيتَ شارةَ
الانطلاقِ لـ(مشروع الأمَّةِ القادم) لتكونَ عاصفةُ الحزمِ هي البدايةَ
لمستقبلٍ واعدٍ لا مكانَ فيه للضعفاءِ والمخذِّلين، لقد أعطيت إشارةَ البدءِ لعاصفةٍ عمِلتْ بخلافِ طبيعتِها، عاصفةٍ مباركةٍ جمعت الأمةَ َبعد تفرقٍ، ووحَّدَتَها بعد تشَتُّت، ولسانُ حالك يردد..
إذا كنتَ ذا رأيٍ فكنْ ذا عزيمةٍ فإنَّ فسادَ الرأيِ أن تترددا
شكرا
يا خادم الحرمين…
يوم حسَمْتَ أمرَكَ، ومضَيتَ إلى سبيلِكَ، متوكلاً على ربِّك، واثقاً بنصرِ مولاك،
ممتشقاً سِلاحَ الحقِّ، غيرَ آبهٍ بالمرجفين والخائفين، ولا ملتفت للحاسدين
والحاقدين، انطلقتَ ثابتَ الجنانِ، واثقَ الخطوةِ، مؤكداً بأنه لن يَصْلُحَ آخِرُ
هذهِ الأمةِ إلا بما صَلَحَ بِهِ أولُّهَا.
والحمدُ
لله رَبِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وآله وصحبه أجمعين،،،
بقلم/ د.
فهد بن منصور الدوسري
@dr_faldawsari
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق